أزواج خارج نطاق الرجولة يعتبرون الخُلع "صفقة تجارية" امرأة امتهنت التسول لتدفع ثمن طلاقها وأخرى تنازلت عن أبنائها دعاء بهاء الدين – سبق – جدة: تشير الإحصائيات إلى أن من بين ثلاث حالات زواج، تحدث حالتا طلاق، وأكد علماء الاجتماع والقانون أنه لا توجد إحصائياتخاصة بقضايا الخلع على مستوى المملكة، بل يندرج تحت اسم الطلاق، ومهما تختلف الأسماء فإنه من المؤكد أن الطلاق والخلع يحدثان زلزالاً في حياة الأسرةوالمجتمع، بيد أن الخلع يترك آثاراً نفسية سيئة في نفوس الأبناء.
وبالرغم أن الخلع حق أقره الشرع للمرأة، إلا أن بعض الأزواج للأسف يستغلون ذلك، ويخلعون رداء الرجولة، فيبتزون المرأة ويهددونها، حتى تستسلم وتدفع لهثمن إنقاذها من جحيمه.
"سبق" ترصد قصصاً واقعية دامية لزوجات وقعن في براثن ابتزاز الزوج حتى حصلن على الخلع، وتتساءل: هل أصبح بعض الأزواج من مستغلي المرأة مادياًحتى تحصل على الطلاق؟ أم أن المجتمع يتحمل مسؤولية ضعف الثقافة الحقوقية للمرأة تحت اسم عادات خاطئة توارثها عبر السنين.
إهانة وذل
بصوت ممزوج بالبكاء تحدثت أم فهد لـ "سبق" قائلة: منذ بداية زواجي تجرعت مرارة الإهانة والذل من زوجي، فدائماً يضربني بشكل غير إنساني، وعندماأشكو لأهلي ينصحونني بالصبر حفاظاً على أبنائي، مضت أيامي كابوساً ثقيلاً، وكان زوجي يستغلني لأقصى درجة، فقد تخلى عن رجولته ولم ينفق على البيت،وكان يضربني ليأخذ راتبي، وأظل أنا بلا نقود وأستجدي منه مصروفاً كطفل صغير.
وتابعت: في إحدى المرات استبد به الغضب وهددني بسكين عندما رفضت الخضوع لطلبه، فانخرطت في البكاء عندما علمت أن حياتي رخيصة الثمن، وطلبتمنه الطلاق فازداد عناداً وحبسني في المنزل، وأخذ مني الجوال، وانعزلت عن العالم، وللأسف الشديد تنكر لي أهلي ولم يساعدوني، استمر هذا العناء لمدة عاموهو يماطل في طلاقي، وأخيرا كشّر عن وجهه القبيح وطلب مني 100 ألف ريال حتى يطلقني، مادت بي الأرض وتساءلت كيف أستطيع تدبير هذا المبلغ؟ كنتأدخر بعض راتبي في البنك قبل زواجي،
تنازلت عنه وعن مجوهراتي في سبيل الحصول على حريتي.
ممارسات غير شرعية
"ضاع عمري هباء وأنا أبحث عن حريتي" بهذه الكلمات بدأت نورة الغامدي حديثها، وأضافت: تزوجت في سن متأخرة من رجل عديم الرحمة، ولا يرعى شرعالله، حبست أنفاسي وأضحت حياتي بلا معنى وآهاتي المكنونة تغتال قلبي، منذ بداية زواجي لاحظت شذوذ زوجي، فكان يطلب مني ممارسات غير شرعية ، وإذارفضت ينهال على ضرباً ويوجه لي كلمات قبيحة يندى لها الجبين.
واستكملت حديثها: أصبحت حياتي جحيماً، فطلبت منه الطلاق، فتجاهل طلبي ورفض، لجأت إلى القضاء وأوضحت في طلبي مبررات الطلاق، في أثناء جلساتالمرافعة لم يحضر زوجي للمحكمة ولم يرد على الجوال، بل تمادى في تعذيبي وإهانتي، ثلاث سنوات وأنا أشعر أني حيوان أعيش جسداً بلا روح، واستغل نقطةضعفي وساومني بالتنازل عن أبنائي مقابل الطلاق، للأسف الشديد تمزق قلبي وأنا أودع أبنائي ومادت بي الأرض، والآن حصلت على حريتي، بيد أني أفكر دائماًفي أبنائي، ولا أدري كيف أعيش حياتي دونما أشعر بأنفاسهم وأتنسم عبيرهم وتظللني بسماتهم الجميلة.
تجارة رابحة
وأعربت "م. أ" عن حزنها قائلة: أشعر أني مواطنة من الدرجة الثانية، زوجني أهلي من رجل طاعن في العمر حتى يتخلصوا من عبئي عليهم، فكنت تجارةرابحة لوالدي، واكتسب من زواجي مآرب كثيرة، بعد زواجي اكتشفت حقيقة زوجي، فهو يتلذذ بتعذيبي، وتقتله الغيرة علي ويضربني دائما كي يقتل أنوثتي..واستكملت حديثها: طلبت منه الطلاق، فازداد عناداً، واستمرت معاناتي عدة سنوات كرهت فيها حياتي، لجأت إلى القضاء لرفع قضية خلع، وللأسف استمرت فيالمحكمة لمدة طويلة بالرغم من إثباتي أني متضررة، وفي إحدى المرات طلب زوجي مني مبلغاً كبيراً من المال يفوق إمكانياتي وقدرات أهلي المادية.
وأضافت: ذهبت إلى أهلي حتى يساعدوني في محنتي، وفوجئت بهم يتنكرون لي، وتركوني وحيدة في بحر بلا شراع. ثم توقفتْ عن الحديث متذكرة قصة مؤلمة،ثم تابعت: تصوري لجأت للتسول كي أستطيع تسديد المبلغ المطلوب، لمدة عامين وأنا أتحمل ما لا يطيقه بشر، من عروض سيئة ونظرات حقيرة حتى سددتالمبلغ المطلوب، ولكن بعد فقدان شبابي وكرامتي.
قضايا مستعصية
في البداية أفاد المستشار القانوني ريان مفتي أن الشريعة الإسلامية حددت ثلاث حالات لحدوث الخلع، هي مباح: وهو أن تكره المرأة زوجها لبغضها إياه، وتخافألا تؤدي حقه، ولا تقيم حدود الله في طاعته، فلها أن تفتدي نفسها منه، لقوله تعالى: "فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به"، والحالة الثانية:المخالعة لغير سبب مع استقامة الحال، فهو صحيح مع الكراهة، لقوله تعالى: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً".
وتابع مفتي: أما الحالة الثالثة فهي أن يعضل الرجل زوجته بأذاه لها ومنعها حقها ظلماً، لتفتدي نفسها منه، فهذا محرم، لقوله تعالى: "ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعضما آتيتموهن"، فإن طلقها في هذه الحال بعوض، لم يستحقه لأنه عوض أكرهت على بذله بغير حق، فلم يستحقه، كالثمن في البيع، مبيناً الإجراءات المتبعة في هذهالقضايا. حيث قال: لقبول دعاوى الخلع والحكم فيها يجب ثبوت العيوب الشرعية التي تقتضي الحكم بالخلع، ولا يتم النظر في مثل هذه القضايا من قِبل القضاء إلابعد محاولة إصلاح البين (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً).
وأوضح أنه في حال وصل القضاء لطريق مسدود في هذه الناحية من قبل الزوج والزوجة، فلا مانع من الحكم بالخلع إذا كان ذلك هو الحل والعلاج للحالاتوالقضايا المستعصية، مؤكداً تشابه العديد من قضايا الخلع من حيث الأركان والأحداث، ومنها
ابتزاز الأزواج ومطالبتهم بكافة التكاليف والنفقات التي أنفقها الزوج على زوجته، والتي قد تصل إلى مبالغ كبيرة تعجز الزوجة عن دفعها، ومن الممكن أن يكونالخلع بأقل من المهر أو أكثر إذا اتفق الزوجان عليه، بيد أن الأصل في الخلع أن تدفع المرأة المهر الذي دُفع لها في عقد النكاح، ولا تزيد عليه.
محاولات إصلاح يائسة
من جانبها، نفت أستاذ مساعد بقسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية المشرفة على القسم النسوي لهيئة حقوق الإنسان بمنطقة مكة المكرمة الدكتورة فتحيةالقرشي، وجود إحصاءات دقيقة ومتجددة عن قضايا الخلع، مرجعة حدوثه لثقافة المجتمع، وعدم توفر الكثير من البدائل الملائمة أمام المرأة، وتأثير عاطفةالأمومة، أو الخوف على الأطفال من الضياع أو العنف بعد الطلاق، ولفتت إلى أن المرأة قد تؤجل اللجوء إلى القضاء لطلب الخلع لأن هذه القضايا تستغرق وقتاًطويلاً يتخلله عدم التزام الزوج بالحضور إلى الجلسات، ومحاولات إصلاح يائسة حتى مع وضوح ممارسات العنف على الزوجة.
وعن دور هيئة حقوق الإنسان في التعامل مع إجراءات التقاضي، قالت القرشي: نظراً لتزايد حالات طلب الخلع وتردد الشكاوى من طول إجراءات التقاضيبشأنها فقد تم إصدار عدد من الإصلاحات تضمنت إنهاء إجراءات الطلاق رغم عدم حضور الزوج، كونه يتهرب بصور مختلفة من حضور الجلسات في المحاكم،وأعربت عن أسفها لممارسات بعض الأزواج كتهديد الزوجة بالحرمان من الأبناء، وتحذيرها بعدم
طلاقها إلا بعد بلوغها سن اليأس، كي تفقد الأمل في زواج آخر.
اضطرابات نفسية بين الأبناء
واعتبرت من يبتز زوجته مادياً لإتمام
طلاقها خارج نطاق الرجولة الحقيقية والقوامة، وعديم الكرامة، لافتة إلى أن هذه التصرفات تؤدي للتوترات والاضطراباتالنفسية بين الأبناء. وأكدت أنهم يحتاجون لتأهيل نفسي قبل الطلاق حتى يدركوا أن هذا لمصلحتهم، وأن الوالدين سوف يتواجدان لمنحهم ما يحتاجون من دعم أينماكانوا، وأن العلاقات التي أنتجتهم علاقات حضارية قامت على مبادئ شرعية وتنتهي بمعروف وإحسان واحترام للعشرة.
ورأت أن تجاهل المشكلات بين الزوجين من أجل الأبناء يساهم في تغلب الأولاد على مشاعر الخجل والغضب من إهمال وأنانية الوالدين، وهي مشاعر لا تميزبين الضحية والجلاد، بل تطالب الضحية بمزيد من التضحية مدى الحياة، وطالبت في ختام حديثها الزوجين بحضور الندوات التي تناقش آثار الطلاق على الأبناءلمعرفة مدى المعاناة التي يتجاهلها من يعبثون باستقرار الأسرة، ويستخدمون السلطة في صورة تسلط، ويكيلون لأنفسهم وللناس بمكيالين ليكونوا بجدارة واستحقاقمن المطففين.
ابتزاز الزوجات
ورأت الأكاديمية والمستشارة الأسرية الدكتورة نورا الصويان أن قضايا الخلع في ازدياد، وذلك بناء على ارتفاع نسبة الخلافات الزوجية التي تؤدي إلى الطلاقوالخلع، لافتة إلى أن المرأة تضطر للانفصال عن طريق الخلع نظراً لمماطلة الزوج في الطلاق، أو خوفاً على حياتها عندما يمارس الزوج عليها العنف، أو خوفاًعلى
أبنائها في ظل جو أسري مشحون بالمشكلات، وأوضحت أن القضايا الأسرية تستغرق وقتاً طويلاً في المحاكم، بيد أن هناك حالات يحكم فيها للمرأة بالطلاقسريعاً.
واستنكرت الصويان إعطاء الزوجة المتضررة المال لزوجها مقابل الحصول على الخلع، معتبرة ذلك ابتزازاً يمارسه بعض الأزواج للضغط على زوجاتهم للتنازلعن حقوقهن، ويعد هذا "صفقة تجارية"، وأكدت أن الخلع أكثر تأثيراً على نفسية الأبناء، حيث تهتز صورة الأب أمام أبنائه، عندما يدركون تصرفاته الشاذة معالأم والتي تتنافى مع الرجولة في سبيل حصولها على الخلع.
وحول نظرة المجتمع للزوجة التي تطلب الخلع قالت: هناك حالات يتعاطف معها المجتمع نظراً للضرر النفسي والمادي الذي تعرضت له من زوجها، بيد أنهوعلى الجانب الآخر يعتبرها البعض
امرأة متمردة على حياتها الزوجية، لافتة إلى تخوف بعض الرجال من الاقتران بامرأة طلبت الخلع في زواجها السابق،وأوضحت في هذا السياق أن هذا يتوقف على وعي الرجل وإدراكه لمفهوم الخلع.
ضعف الثقافة الحقوقية
وأنحى نائب رئيس منظمة العدالة الدولية المستشار القانوني خالد أبو راشد باللائمة على المرأة، قائلاً: للأسف الشديد الثقافة الحقوقية لدى المرأة ضعيفة بالنسبةلقضايا الأحوال الشخصية من طلاق وخلع، مؤكداً أن الخلع يشترط موافقة الزوج، وفسر بعض المفاهيم القانونية الخاطئة قائلاً: في حالة رفض الزوج للخلع تُقيمالزوجة دعوى طلاق، ويحاول القاضي الصلح بينهما عن طريق لجنة ذات البيْن.
وتابع أبو راشد: إذا وجد القاضي إصراراً من الزوجة يحكم بالطلاق وإعادة المهر للزوج في حالة عدم رغبتها في العودة إليه ولم يقع عليها ضرر، لافتاً إلى أنهفي حالة وقوع ضرر من الزوج يحكم القاضي بفسخ عقد الزواج دون إعادة المهر، ونفى وجود أحكام قانونية تُكره الزوجة على الاستمرار مع زوجها رغماً عنها.
وأوضح أنه من حق المرأة إقامة دعوى في المحكمة لرد المهر فقط لزوجها، إذا تعرضت لابتزاز منه، مؤكداً على حكم القاضي برد المهر فقط وفقاً لعقد الزواج،وأرجع استغلال الزوج لزوجته، لجهلها بحقوقها والمطالبة بها، مشدداً على دور الأسرة في توعية ابنتهم بحقوقها، وكيفية الحصول عليها، ودعا في ختام حديثهالأزواج إلى تقوى الله في زوجاتهم عقب الطلاق والخلع امتثالاً لقوله تعالى: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان".
0 Responses to امرأة امتهنت التسول لتدفع ثمن طلاقها وأخرى تنازلت عن أبنائها